May 2, 2007

ProfessorZ. Abd El Aziz Letter To The Pope in Rome 2006

From: "Dr. Zeinab Abdelaziz"
To: drhamdyyoussef@yahoo.com
Subject: both articles
Date: Tue, 28 Nov 2006



خطاب مفتوح إلى البابا بنديكتوس السادس عشر



بقلم الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذةالحضارة االفرنسية





حضرة المحترم / أسقف روما ، ومندوب يسوع المسيح ، وخليفة أمير الرسل ، و الحبر الأعظم للكنيسة العالمية ، وكبير أساقفة إيطاليا ، والمطران الأسقفى للمقاطعة الرومية ، ورئيس دولة مدينة الفاتيكان ، وخادم خدّام الله ، ـ ولم أذكر" باتريارك الغرب" لأنكم تنازلتم عنه .. كما لايجوز لى إغفال لقب : رئيس مكتب عقيدة الإيمان ( محاكم التفتيش سابقا ) ، و الأستاذ المتفرغ بالجامعات الألمانية ، البابا بندكتوس السادس عشر ،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،



أبدأ بهمسة عتاب كزميلة فى اللقب الجامعى ـ وهو المستوى الذى يدور فى نطاقه هذا الخطاب ـ وكإنسانة مسلمة ، نالها من الإهانة والمرارة والألم ما نال المسلمين فى العالم أجمع مما ورد فى المحاضرة التى القيتموها ، فى جامعة راتيسبون بألمانيا ، تحت عنوان :

" العنف يتعارض مع طبيعة الله ومع طبيعة الروح"

فمن يحمل على كاهله أمانة و مسؤلية كل هذه الألقاب ، عار عليه أن يتدنى إلى مستوى السب العلنى لدين يتمسك به و يتّبعه أكثر من خمس سكان العالم .. وعار عليه أن يختار موقف التحدى الإستفزازى للنيل من الإسلام و المسلمين.. وهو موقف يندرج بلا شك ضمن مسلسل الإساءة و المحاصرة الذى بدأ منذ بداية انتشار الإسلام و يتواصل حتى يومنا هذا . أنه موقف وضعكم على أرض احتقار الآخر ، و الكذب ، و الجهل ، باختياركم ، وكلها تشبيهات لا تليق بمن فى مثل منصبكم . فهو موقف يكشف عن مدى جهلكم بدينكم وبدين الآخرين من جهة ، و من جهة أخرى، هو موقف أشبه ما يكون بإطلاق العنان لحملات صليبية جديدة ما أغنانا جميعا عنها ..



وتؤكد جريدة "لاكروا " المسيحية الصادرة فى 17 / 9 / 2006 ، أن المحاضرة قد تم الإعداد لها طويلا ، وقرأها العديد من المحيطين بكم ، مثلما يحدث مع كافة النصوص العامة على الأقل. كما تؤكد الجريدة أنه منذ يوم الأثنين 11 / 9 و " بينما لم يكن البابا قد نطق محاضرته بعد ، صدرت الصحف الإيطالية بعناوين حول بنديكت السادس عشر و الإسلام " ! الأمر الذى يؤكد ربط هذه المحاضرة فى هذا التوقيت بمسرحية الحادى عشر من سبتمبر !.. فما أصبح معروف يقينا رغم التمويه الشديد ، أن الأيادى المدبرة أمريكية رفيعة المستوى . وكان هدف المحاضرة واضحا فى ربطه بين الإسلام والإرهاب والشر .. أى أنه موقف متعمّد.



ولقد جاء ردكم وتعبيركم عن " الحزن " الذى انتابكم من ردود الأفعال التى أثارتها محاضرتكم كعذر أقبح من ذنب ، فالباحث الأكاديمى حينما يستشهد فى بحثه ، يكون ذلك لأحد أمرين : إما لتأييد موقفه ، وإما لنقد ذلك الإستشهاد ـ ولا يوجد هناك ما يسمى باستشهاد لا يعبر عن رأى كاتبه بالمعنى الذى حاولتم التبرير به : فالكاتب هو الذى يستشهد . وقولكم أن هذه العبارات لا تعبر عن رأيكم الشخصى، فى الوقت الذى يؤكد صلب المحاضرة وسابق كتاباتكم وخاصة خطابكم الرسولى كلها كتابات تؤكد أنكم تعنونه ، وذلك يضعكم فى مصاف أولئك الباحثين الذين يضعون أفكارهم على لسان غيرهم حتى لا تحسب عليهم خشية عواقبها .. وهو موقف علمى يوصف بالجبن ولا يليق بمن فى مكانتكم .



وحتى التصريح الصادر عن المكتب الإعلامى للفاتيكان يوم السبت 16/ 9/ 2006 والذى استشهد فيه المتحدث الرسمى بقرار وثيقة " فى زماننا هذا " الصادرة عن مجمع الفاتيكان الثانى سنة 1965 ، فهو أيضا بمثابة عذر أقبح من ذنب ، ويكشف عن الموقف غير الكريم والملتوى ـ لكى لا أقول ذوالوجهين للفاتيكان. فمن يطّلع على محاضر صياغة هذا النص تحديدا يصاب بالغثيان من كثرة ما جاهد كاتبوه لإستبعاد أن العرب من سلالة إسماعيل ، الإبن البكر لسيدنا إبراهيم، ولا ينتمون اليه ، وإنما يتخذونه مثلا !. واستبعاد حتى أن الله قد خاطب المسلمين عن طريق الوحى إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. والمرجع صادر عن الفاتيكن بعنوان " الكنيسة والديانات غير المسيحية" ، وبه محاضر الجلسات المخجلة . الأمر الذى يوضح مدى تمسككم باستمرار ذلك الموقف غير الأمين تجاه الإسلام و المسلمين ، لعدم الإعتراف به كديانة توحيدية. وسواء إعترفتم أو لا تعترفم به فالإسلام موجود ومعترف به من الجميع على أنه الرسالة التوحيدية الثالثة المرسلة للبشر، ورفضه أو إنكاره لا يدين إلا شخصكم.



ولا يسع المجال هنا لتناول مختلف النقاط التى طرحتموها في تلك المحاضرة والتى تزيد عن العشرين موضوعا ، وسأكتفى بالرد على ما يخص الإسلام ، وهما نقطتان اساسيتان : ما وصفتم به الله عز وجل فى " المذهب الإسلامى " من ان التصعيد المطلق لله عبارة عن مفهوم لا يتفق ولا يتمشى مع العقل والمنطق ، ولا يمكن فهمه ، وأن إرادته لا ترتبط بأى واحدة من فئاتكم المنطقية ، ولا حتى فئة المعقول ؛ وأن سيدنا محمد عليه صلوات الله ، لم يأت إلا بكل ما هو شر ولا إنسانى ، مثل أمره بنشر العقيدة التى يبشر بها بالسيف ! .

وأول ما يجب توضيحه هنا هو ان الإسلام ليس بمذهب ، كما وصفتمونه ، وإنما دين توحيدى متكامل ، شامل الأركان ، ثابت وراسخ ، وخاصة شديد المنطق والوضوح وهو ما يجذب الناس إليه. و مجرد إغفال مثل هذه الحقيقة يوصم موقفكم ويكشف عن مدى عدم الأمانة العلمية والموضوعية التى تتمسكون بها !



ولن أحدثكم هنا عن الإسلام الذى يمكنكم دراسته إن شئتم ، لكننى سأسألكم عن الكتاب المقدس بعهديه ، والذى ترون أنه بقسميه يتفق مع العقل والمنطق دونا عن القرآن ، مشيرين فى موضع آخر " أن العنف يتعارض مع طبيعة الله وطبيعة الروح ، وان الله لا يحب الدم و التصرف بمنافاة العقل يعد ضد طبيعة الله ". وهنا لا يسعنى إلا أن أسألكم عن كل ما هو وارد بالعهد القديم من أمر الإله يهوة لأتباعه بإبادة كل القرى وحرقها وذبح الرجال والنساء والأطفال بحد السيف و أخذ الذهب والفضة ... وفى مكان آخر يطلب تعذيبهم و تقطيعهم وحرقهم فى افران الطوب ... هل تتمشى مثل هذه الآيات مع العقل والمنطق فى نظركم ؟ وخاصة هل ترونها تخلو من الشر واللا إنسانية ؟! أم هذا هو التسامح الذى تقرونه !

وما هو وارد فى سفر حذقيال حين يأمره الرب أن يأكل خبزا وعليه "خراء الإنسان " وحينما اشتكى النبى حزقيال أمره أن يضيف عليه روث البقر! هل يتمشى هذا مع العقل والمنطق فى نظركم ؟! وأخجل حقا من ذكر بعض الإباحيات الواردة بهذا النص وغيره رغم محاولة درئها بتغييرها أو تعديلها من طبعة لأخرى .. والنصوص والطبعات موجودة .



أما فى المسيحية التى تترأسون أعلى المناصب فيها ، فأبدأ بسؤالكم عن تأليه السيد المسيح فى مجمع نيقية الأول سنة 325 ، رغم وجود العديد من الآيات التى يقول فيها السيد المسيح ان "الرب إلهنا واحد " (مرقس 12:29) ، "ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله" (متى 16:19 ) ، "إنى أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهى و إلهكم " (يوحنا 20:17) ، " للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد" (متى 4:10) ، وما أكثر الآيات التى يوضح فيها أنه إنسان :" أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذى سمعه من الله " (يوحنا 8:40) ، كما أن هناك آيات تقول :" هذا يسوع النبى الذى من ناصرة الجليل " (21:11) ، و"قد قام فينا نبى عظيم " (لوقا 7:16) .. ورغم كل هذه التأكيدات التى لا تزال موجودة ولم تمحى بعد ، قامت المؤسسة الكنسية بإعلان أن يسوع "إله حقيقى من إله حقيقى ، مولود وليس مخلوق ، ومشارك للآب فى الجوهر" ..وبعد ذلك جعلته الله شخصيا ، فهل تتمشى كل هذه المغالطات مع العقل والمنطق ـ رغم أنها أدت إلى تقسيم المسيحية وإلى مذابح بين أتباعها ؟!

وفى مجمع القسطنطينية الأول تمت إضافة أن " الروح القدس مشارك للآب فى الجوهر" ، مما أدى إلى إنفصال آخر للكنائس. وفى مجمع أفسوس سنة 431 أقر المجمع بدعة " أن مريم أم الله " ، مما أدى إلى معارك وانفصالات اخرى .. وفى مجمع خلقيدونيا سنة 451 أقر "الطبيعة الثنائية ليسوع " .. وكلها عقائد وقرارات لا يذكر ولا يعرف عنها يسوع أى شىء ، فهل هذا يتمشى مع العقل والمنطق ؟!

والمعروف من إصداراتكم أنه لم يتم تقبل عقيدة التثليث لقرون طويلة بين الكنائس ، بحيث نطالع فى قرار مجمع فلورنسا المنعقد سنة 1439 ، الذى راح يحدد لليعاقبة معنى الثالوث لفرضه بلا رجعة ، وينص القرار على ما يلى : " إن العلاقة وحدها هى التى تفرق بين الأشخاص ، لكن الأشخاص الثلاثة يكوّنون إله واحد وليس ثلاثة آلهة ، لأنهم من جوهر واحد ، و طبيعة واحدة ، والوهية واحدة ، وضخامة واحدة ، وخلود واحد ، وان ثلاثتهم واحد حيث لا تمثل العلاقة أى تعارض " ، وعلى الذين لا يروقهم هذا الوضوح تجيب الكنيسة : أنه سرّ ! فهل مثل هذا المنطق هو الذى ترونه يتمشى مع العقل السليم ؟!..



تعتبرون سيادتكم أن نصوص الكتاب المقدس بعهده القديم ، القائم على الترجمة السبعينية، واناجيله الأربعة وباقى الكتب المرفقة ، هو الكتاب الذى يعتد به فهو يحتوى على الإيمان الإنجيلى وتستعينون بفكره طوال محاضرتكم بعد استبعاد القرآن. والمعروف تاريخيا ان القديس جيروم هو الذى صاغه بأمر من البابا داماز، بعد توليفه من اكثر من خمسين إنجيلا كانت منتشرة ومستخدمة حتى القرن الرابع. وعند الفراغ من مهمته كتب مقدمة للعهد الجديد موجها إياها للبابا داماز يقول فيها :



" إلى قداسة البابا داماز ، من جيروم

تحثنى على أن أقوم بتحويل عمل قديم لأخرج منه بعمل جديد ، وتريد منى أن أكون حكماً على نُسخ كل تلك النصوص الإنجيلية المتناثرة فى العالم ، وأن أختار منها وأقرر ما هى تلك التى حادت أو تلك التى هى أقرب حقا من النص اليونانى . أنها مهمة ورعة ، لكنها مغامرة خطرة إذ سيتعيّن علىّ تغيير أسلوب العالم القديم و أعيده إلى الطفولة. و أن أقوم بالحكم على الآخرين يعنى فى نفس الوقت أنهم سيحكمون فيه على عملى . فمن من العلماء أو حتى من الجهلاء ، حينما سيمسك بكتابى بين يديه ويلحظ التغيير الذى وقع فيه ، بالنسبة للنص الذى إعتاد قراءته ، ولن يصيح بالشتائم ضدى ويتهمنى بأننى مزوّر و مدنس للمقدسات ، لأننى تجرأت وأضفت ، وغيّرت ، و صححت فى هذه الكتب القديمة ؟

" وحيال هذه الفضيحة ، هناك شيئان يخففان من روعى ، الأمر الاول : أنك أنت الذى أمرتنى بذلك ؛ و الأمر الثانى : ان ما هو ضلال لا يمكن أن يكون حقا . وهو ما تقره أقذع الألسنة شراسة . وإذا كان علينا أن نضفى بعض المصداقية على مخطوطات الترجمة اللاتينية ، ليقل لنا أعداؤنا أيها أصوب ، لأن هناك من الأناجيل بعدد الإختلاف بين نصوصها. ولماذا لا يروقهم أن أقوم بالتصويب اعتمادا على المصادر اليونانية لتصويب الأجزاء التى أساء فهمها المترجمون الجهلاء ، أو بدّلوها بسوء نيّة ، أو حتى قام بعض الأدعياء بتعديلها.

"وإذا كان علينا دمج المخطوطات ، فما يمنع أن نرجع ببساطة إلى الأصول اليونانية ونبعد بذلك عن أخطاء الترجمات السيئة أو التعديلات غير الموفقة من جانب الذين تصوروا أنهم علماء ، أو الإضافات التى ادخلها الكتبة النعسانين ؟ أننى لا أتحدث هنا عن العهد القديم والترجمة السبعينية باللغة اليونانية التى لم تصلنا إلا بعد ثلاث ترجمات متتالية من العبرية إلى اليونانية ثم إلى اللاتينية . ولا أود أن أبحث هنا ما الذى سيقوله أكويلا أو سيماّك ، أو لماذا آثر تيودوسيان الوسط بين المترجمين القدامى و الحداث . لذلك سأعتمد على الترجمة التى يمكن أن يكون قد عرفها الحواريون .

" وأتحدث الآن عن العهد الجديد ، المكتوب بلا شك باللغة اليونانية فيما عدا إنجيل متّى الذى كان قد استعان أولا بالعبرية لنشره فى منطقة اليهودية. إن هذا الإنجيل يختلف يقينا عن الذى بلغتنا نظرا لتعدد المصادر التى استعانوا بها لتكوينه . وقد آثرت أن أرجع إلى نص أساسى، فلا أود الإستعانة بترجمات المدعوان لوشيانوس أو هزيكيوس التى يدافع عنها البعض بضراوة عن غير وجه حق ، واللذان لم يكن من حقهما مراجعة لا العهد القديم بعد ترجمة السبعينية ، ولا أن يقوما بمراجعة النصوص الجديدة . فالنصوص الإنجيلية التى وصلتنا بلغات شعوب مختلفة توضح مدى الأخطاء و الإضافات التى بها . وإذا كنت قد قمت بذلك بالنسبة للنسخ المكتوبة بلغتنا فلا بد وأن أعترف بأننى لم استفد منها شيئا ."



ذلك هو حال الكتاب الذى تعتبرونه مقدسا ! وأكتفى بهذا القدر من الإستشهاد لأن باقى النص متعلق بترتيب الأناجل و تبويبها . وكان ذلك فى القرن الرابع الميلادى . أى أنه حتى ذلك التاريخ لم تكن الأناجيل المعروفة حاليا قد استتب أمرها . واندلعت الخلافات بين الكنائس لمدة قرون طويلة ، حتى قامت المؤسسة الكنسية الكبرى بفرض هذا الكتاب المقدس على الأتباع على أنه نصا منزلا و " أن مؤلفه هو الله " ، وذلك فى المجمع التريدنتى سنة 1547 . ثم قام مجمع الفاتيكان الاول المنعقد فى عامى1869 و1870 بإعلان أن الكتاب المقدس بعهديه " كتب بالهام من الروح القدس ، وان مؤلفه هو الله ، وأنها قد أُعطيت هكذا للكنيسة " .. أما مجمع الفاتيكان الثانى المنعقد بعد ذلك بحوالى تسعين عاما ، ظهرت خلالها من الدراسات والأبحاث التى أطاحت بمصداقية الكتاب المقدس ، ما جعله يعلن عن إصحاحات هذا الكتاب المقدس قائلا : " أن هذه الكتب وإن كانت تتضمن الناقص و الباطل ، فهى مع ذلك شهادات لعلم تربية إلهى حقيقى" !.. ترى يا سيادة البابا هل هذا هو المنطق الذى ترونه حقا ومفهوما ؟!..

ولا تفوتنا هنا الإشارة إلى " ندوة عيسى " التى انعقدت فى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1992 ، وان أهم ما خرج به فريق العلماء المساهمين فيها وهم حوالى 200 باحثا لاهوتيا وأكاديميا ، أن 82 % من الأقوال المنسوبة إلى يسوع لم يتفوه بها وإنما صاغها كتبة الأناجيل، وان موت يسوع وبعثه حدث فى المكان و بالكيفية التى أرادها كتبة الأناجيل .. (صفحة 24 من مقدمة الكتاب الصادر عن الندوة) .. وما يأسف له هؤلاء العلماء هو الجهل الشديد لدى عامة المسيحيين بكتابهم المقدس وخاصة بالعهد الجديد ، وهو مستوى يرون أنه يصل إلى درجة الأمية ! واللهم لا تعليق على ما تعتبرونه مصدرا للعقل و المنطق والإلهام!!



تقولون فى خطبتكم الموقرة أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لم يأت إلا بأشياء شريرة ولاإنسانية ، من قبيل أمره ان يتم نشر ما يبشر به بالسيف ... لعلكم لا تجهلون أن البابا أوربان الثانى هو الذى أعلن قيام الحروب الصليبية باسم الرب فى مجمع كليرمونت ، قائلا : " إن الله يريدها " ، و أنه اطلق على المساهمين فيها لقب "جند يسوع " وأمرهم بوضع علامة الصليب على ثيابهم وعتادهم ، و وعد بغفران ذنوبهم وإعفائهم من الضرائب و أغدق عليهم العطايا .. ويصف المؤرخ المرافق للحملة و المعروف باسم " لانونيم " قائلا : " تم طرد المدافعين عن المدينة (القدس) بقتلهم وبترهم بالسيوف أحياء ، حتى معبد سليمان . وقد وقعت مجزرة لا مثيل لها بحيث أن جنودنا كانوا يغوصون باقدامهم فى الدماء حتى عراقيبهم " ، ثم يضيف بعد ذلك قائلا : " لعل ما أدى إلى نجاح ذلك الهجوم وغيره الإنقسام الذى كان سائدا آنذاك بين المسلمين " . وعندما سادت المجاعة ايام حصار عكا كان الصليبيون يسلقون أطفال المسلمين ويأكلونهم .. أذلك هو ما يندرج تحت مسمى العقل والأعمال الإنسانية وعدم الإنتشار بالسيف؟!

كما تم إنشاء محاكم التفتيش لتواكب أعمالها ولتواصل ما أُطلق عليه عصر الظلمات الذى امتد حوالى ألف عام ، بمنع الأتباع من قراءة إنجيلهم ومنع التعليم إلا على رجال الدين .. و المعروف ان الحروب الصليبية لم توجه ضد المسلمين وحدهم فى الأراضى المقدسة ، وإنما إمتدت إلى إسبانيا لتعاون فى اقتلاع الإسلام ، كما امتدت الى أوروبا وجنوب شرق فرنسا لاقتلاع شعوب الكاتار والبوجوميل والفودوَا لأنهم حتى ذلك الوقت كانوا رافضين لبدعة تأليه السيد المسيح .. وما تذكره المراجع التاريخية والعلمية عن عمليات التعذيب التى تفننت فيها محاكم التفتيش من حرقها الناس أحياء أو خزء عيونهم أو إنتزاع لسانهم وهم أحياء أو دهن أرجلهم بالزيت ووضعها فوق النار بعد ربطهم حتى لا يتحركون من أماكنهم ليصيب القارىء بالغثيان .. وما كتبه القس بارتولوميه دى لاس كازاس عن وحشية أعمال المبشرين ورجال الكنيسة وجنودها عند غزوهم شعوب امريكا الجنوبية يفوق الخيال فى بشاعته .. ولم يُسمح بنشر مذكراته الا فى اواخر القرن العشرين . ولا يسع المجال هنا للتحدث عن الحروب الدينية بين المسيحيين كحرب الخمسين عاما، والمائة عاما ، والمجازر المميزة كمجزرة البروتستانت المعروفة باسم سانت بارتليمى .. ولا عن سرد كيفية تم فرض المسيحية بالسيف على أوروبا وضواحيها أو على باقى بعض شعوب العالم .

وإذا ما تم حصر أعداد كل الذين تم قتلهم بأمر من الكنيسة الكاتوليكية الرومية الرسولية لوصل إلى مئات الملايين من الأبرياء ، وهو ما تذخر به المراجع .. فمثل هذه الأعمال تندرج تحت أى منطق فى نظر سيادتكم ، أم لعلكم تباركونها لبراءتها و تسامحها المسيحى !

سيادة الأستاذ والباحث المبجل ، إن كل ما تقدم وأكثر منه بكثير هو ثابت علميا وتاريخيا ووثائقيا ، بل أكثر منه جد كثير ولا يسع المجال هنا لذكره .. إنها مجرد شذرات.



تقولون فى الفقرة الثالثة من محاضرتكم أن الله لا يحب الدم ، ومع ذلك تصرّون على استمرار العقيدة التى تفرض على الأتباع شرب دمه وأكل لحمه عند تناول الإفخارستيا . ومن لا يؤمن بذلك إيمانا قاطعا بأنه يشرب دمه فعلا ويأكل لحمه فعلا يكون كافرا وملعونا .. ومن الواضح ان هناك العديد من الأتباع الذين ينفرون من مجرد هذه الفكرة ، وتفاوتت حدة الصراعات الرافضة للإفخارستيا بالمعنى الكنسى ، وكان من أشهر هؤلاء جان فيكليف الذى ادانه مجمع كونستانس 1418 لأنه نادى بأن الخبز والنبيذ لا يتبدلان فى القربان ولا يتحولان ، وان المسيح لا يتواجد فعلا بلحمه ودمه فى القربان. فأدان المجمع كل مؤلفاته واتهمه بالهرطقة ، وبعد موته أمر المجمع بنبش قبره لإلقاء عظامه بعيدا عن المدافن الكنسية ( المجمع المسكونية ، ج2 صفحة 859 ) . ثم قام مجمع لاتران بادخال هذا الطقس الدموى ضمن عقيدة الإيمان !

وكانت آخر محاولة مبذولة لدراسة كيفية فرض فكرة أكل لحم المسيح و شرب دمه فعليا و حقيقيا ، ذلك العام الذى كرسه البابا يوحنا بولس الثانى فى أكتوبر 2004 والذى انتهى بانعقاد السينودس الذى أقيم من 2 إلى 23 أكتوبر 2005 ، وحضره 256 أسقفا من 118 بلدا حول موضوع : " الإفخارستيا فى الحياة و الرسالة الحالية للكنيسة " ، وقد قمتم بترأسه لوفاة البابا السابق. و تم أختيار هذا التاريخ ، 23 أكتوبر لإنهاء أعمال المؤتمر ، ليتفق مع " اليوم العالمى للتبشير " ... وهو ما يكشف عن أن عقيدة الإفخارستيا تقف عقبة فى عمليات التبشير التى تخوضونها وتجاهدون لتدارس كيفية فرضها !

ومن الواضح أن الإصرار على فرض هذه العقيدة بمثل هذا التشبث ، هى عملية تبرير لإستمرار ضرورة وجود طبقة القساوسة التى هى وحدها تمتلك سر تحويل الخبز و النبيذ " بقدرتهم السرّية " إلى لحم ودم المسيح الذى يتعيّن على الأتباع أكله شربه و إلا لا يحصلون على الخلاص!.. ولا نملك إلا أن نتعجّب لما تعتبرونه معقولا ومنطقيا و يتفهمه العقل والمنطق.. ولعل ذلك هو ما دفع الكاتب الفرنسى إميل زولا أن يقول فى إحدى رواياته : "إن الحضارة الإنسانية لن تتقدم إلا أذا سقط آخر حجر من آخر كنيسة على رأس آخر قسيس "!



أنتقل بعد ذلك إلى مجمع الفاتيكان الثانى وقرارته سنة 1965 التى تمثل خروجا سافرا على نصوص و تعاليم العهد الجديد ، والتى تمثل جزءا كبيرا من المشكلات التى تواجه العالم حاليا . فعلى الرغم من اتهامكم اليهود فى قداس كل يوم أحد بأنهم قتلة الرب ، وعلى الرغم من وجود أكثر من مائة آية صريحة الوضوح فى اتهامها بالعهد الجديد ، نص ذلك المجمع من ضمن ما نص عليه فى نصوصه المتعددة ، على :

* تبرأة اليهود من دم المسيح

* إقتلاع اليسار فى عقد الثمانينات ( من القرن العشرين )

* إقتلاع الإسلام فى عقد التسعينات حتى تبدأ الألفية الثالثة و قد تم تنصير العالم ، وإن

كانت هذه التوصية بدأت بعبارة مضغمة هى "توصيل الإنجيل لكل البشر"..

* إعادة تنصير العالم

* توحيد كافة الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما

* فرض المساهمة فى عملية التبشير على كافة المسيحيين الكنسيين منهم و المدنيين ،

وهى أول سابقة من نوعها وتوصم أمانة الأقليات المسيحية فى كل مكان .

* إستخدام الكنائس المحلية فى عمليات التبشير ، الأمر الذى يضع الأقليات المسيحية

فى البلدان التى يعيشون فيها فى موقف عدم الأمانة أو الخيانة الوطنية لصالح

التعصب الكنسى

* فرض بدعة الحوار ، كوسيلة لكسب الوقت حتى تتم عملية التنصير بلا مقاومة تذكر

* إنشاء لجنة الحوار

* إنشاء لجنة خاصة بتنصير العالم



ولن أطلب من سيادتكم تقييم قرارات هذا المجمع من حيث العقل والمنطق ، أو من حيث الشرور واللاإنسانية التى تمخض عنها ، فهى ليست بحاجة إلى تقييم ، إنها تجأر بنفسها ، لكننى سأضيف ان البابا يوحنا بولس الثانى كان قد وعد بتبديل و تغيير سبعين آية من آيات الأناجيل لتتمشى مع مسلسل التنازلات التى تقدمونها للصهاينة . وللحق لا أعرف إن كان قد تمكن من إتمام ذلك قبل وفاته أم سيقع عليكم الوفاء بهذا الوعد .



ومن بين كل القرارات السابقة لن أعلق إلا على نقطة بدعة الحوار بين الأديان ، لأستشهد ببعض النماذج الكاشفة من الوثائق الفاتيكانية :

* أخطر ما يمكن أن يوقف الحوار : أن يكتشف من نحاوره نيتنا فى تنصيره.

* من أهم عقبات الحوار ما قمنا به فى الماضى ضد الإسلام والمسلمين ، وهذه المرارات عادت

للصحوة حاليا ، فقد أضيفت الآن قضية إسرائيل و موقف الغرب منها ، و نحن كمسيحيين

نعرف ما هى مسؤليتنا حيال هذه القضبة..

* ضرورة القيام بفصل المسيحية فى حد ذاتها عن العالم الغربى ومواقفه المعادية والإستعمارية

فالمسلم لم ينس ذلك بعد .

* ان الحوار الصحيح يرمى إلى تجديد كل فرد بالإرتداد الباطنى والتوبة ، إعتمادا على الصبر

والتأنى والتقدم خطوة خطوة وفقا لما تقتضيه أحوال الناس فى عصرنا .

* يتعيّن على المسيحيين أن يساعدوا مؤمنى العقائد الأخرى على التطهر من تراثهم الديني لتقبل

عملية الإرتداد .

* إن أعضاء الديانات الأخرى مأمورون بالدخول فى الكنيسة من أجل الخلاص

* الحوار يعنى فرض الإرتداد والدخول فى سر المسيح ..

* إن الكرسى الرسولى يسعى إلى التدخل لدى حكام الشعوب و المسؤلين عن مختلف المحافل

الدولية ، أو الإنضمام إليهم بإجراء الحوار أو حضهم على الحوار لمصلحة المصالحة وسط

صراعات عديدة ..



واكتفى بهذا القدر القليل من غثاء جد كثير لأسأل سيادتكم : هل مثل هذا التعامل غير الأمين واللاإنسانى هو ما تعتبرونه مقبولا من العقل والمنطق ؟!

وهنا تجدر الإشارة إلى خطابكم الرسولى الأول " الله محبة " ، ولا يسع المجال لتناوله بالتفصيل ، فقد أفردت له مقالا آنذاك بعنوان " تنازلات على نغمة المحبة " ! ومن أهم ما يجب الإشارة إليه إعتباركم ان اليهود و المسيحيين وحدهم هم الذين يعبدون الله الحقيقى ، ثم قيامكم بالربط بين الإسلام و الإنتقام و الكراهية و العنف باسم الله ، وان الكنيسة الكاثوليكية وحدها هى التى عليها ان تسود العالم ، وكمٌ من التنازلات الممجوجة التى قدمتمونها للصهاينة . وهو ما يؤكد أن استشهادكم فى المحاضرة لم يكن من قبيل المصادفة وإنما تقصدونه لأنه يمثل رأيكم الدائم.



ولا يسعنى عند نهاية خطابى المفتوح هذا إلا أن أسألكم : يصر الفاتيكان على ان رسالته هى تنصير العالم ، وهو يبذل قصارى جهده وبكافة الوسائل الصريحة والملتوية لتحقيق ذلك ، بل لا يكف عن حث الكنائس الأخرى و توحيدها لاستخدامها فى عملية التبشير و التنصير ، و لقد تم فرض هذا الموقف على الأتباع و على الكنائس المحلية فى كل مكان بزعم انها الوسيلة الوحيدة للتصدى للمد الإسلامى ، كما تم استصدار القوانين الأمريكية الترويعية لتنفيذ ذلك .. غير آخذين فى الإعتبار ان ذلك تحديدا هو ما يشعل الفتن و يولد العنف دفاعا عن الذات و عن الدين وعن الهوية، فما عساكم فاعلين بتلك الدويلة الدينية العنصرية التى ساعد الفاتيكان على تثبيتها ظلما وعدوانا وانتزاع الأرض من أصحابها لقوم لا حق لهم فيها وفقا للنصوص ؟ بل ما عساه فاعلا بهذه الدويلة العنصرية التى يعد إنشاؤها خروجا سافرا على دينه وتعاليمه ـ وهناك من الأبحاث اللاهوتية ما تؤكد انه لا حق لهم شرعا فى هذه الأرض ، وذلك من قبيل رسالة الأب لاندوزى ؟ ولا نسخر حين نتساءل بكل مرارة و ألم :

ترى ، هل سيقوم سيادة البابا بتنصير اليهود ، أم إن الفاتيكان هو الذى سيتهوّد ؟! أليست دعوتكم الظالمة هى تنصير العالم ؟!



إن من يحمل على كاهله مثل هذا التاريخ المدرج بالدماء ، ومثل هذا التراث القائم على التزوير والتحريف ، ويقوم بمثل هذه السقطة الإستفزازية وسب الإسلام والمسلمين عن عمد ، فلا يجب عليه الإعتذار الواضح فحسب وإنما يجب عليه التنحى عن مثل هذا المنصب . وهو أقل ما يجب عليه أن يفعله إن كانت هناك ثمة أمانة علمية أو دينية .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،

















وثيقة فى " زماننا هذا"

وعلاقات الكنيسة بالإسلام







بقلم دكتورة زينب عبد العزيز

أستاذة الحضارة الفرنسية





عقب المحاضرة الشهيرة التى القاها البابا بنديكت السادس عشر فى راتسبون، والتى سب فيها الإسلام بوضوح وتعمّد ، تم رفع وثيقة المجمع الفاتيكانى الثانى (1965) المعروفة باسم "فى زماننا هذا" وإشهارها كالراية فى مختلف الصحف ، حتى فى الفاتيكان نفسه ، لتهدأة النفوس وإثبات "الإحترام" الذى يكنه الفاتيكان للمسلمين !



وفى واقع الأمر ، إن القليل من الناس هم الذين يعرفون نص هذه الوثيقة ، خاصة الجزء المتعلق بالإسلام. لذلك رأينا أنه من المفيد وضع هذا النص تحت الضوء ، لنراه عن قرب ونوضح للجميع الموقف المزدوج للمسؤلين عن الكنيسة الكاثوليكية الرسولية الرومية ... ويمتد نص الوثيقة فى حد ذاته على أربع صفحات، والبند الثالث المتعلق بالمسلمين ، يتضمن فقرتين من سبعة عشر سطرا ، نصها كما يلى :



الديانة الإسلامية :

3 - إن الكنيسة تنظر أيضا بعين الإعتبار إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد ، الحىّ القيوم ، الرحمن القدير ، خالق السماء و الأرض ،الذى تحدث إلى البشر. إنهم يحاولون الخضوع بكل قواهم لقرارات الله ، حتى وإن كانت مخفية ، مثلما خضع إبراهيم لله والذى يتخذه الإيمان الإسلامى طواعية مثلا له. وعلى الرغم من أنهم لا يعترفون بيسوع كإله ، فهم يبجلونه كنبى؛ ويوقرون أمه العذراء ، مريم ، وأحيانا يتوسلون إليها بتضرع. كما أنهم ينتظرون يوم الحساب، الذى سيجازى فيه الله البشر بعد بعثهم ، وهم يقدرون الأخلاق، ويقدمون عبادة ما لله خاصةً بالصلاة، والزكاة والصوم.

وإذا ما كانت عبر القرون قد اندلع العديد من الخلافات و العداوات بين المسيحيين والمسلمين ، فإن المجمع يهيب بهم جميعا نسيان الماضى وأن يجتهدوا بإخلاص فى محاولة للفهم المتبادل، وأن يقوموا معا بحماية ونشر العدل الإجتماعى، والقيم الأخلاقية، والسلام و الحرية ، من أجل كافة البشر (صفحة 29 ).



وما من إنسان يجهل أن مجمع الفاتيكان الثانى يمثل أهم الأحداث قاطبة بالنسبة للكنيسة فى القرن العشرين. فعلى العكس من كافة المجامع السابقة ، التى كان يتم عقدها لتدارس المشكلات الحقيقية التى تثمل أخطارا على نفس الكيان الكنسى ، بما أنها بكلها تمثل تهديدات لاهوتية ناجمة من داخل الكنيسة أو من خارجها ، فإن المجمع الفاتيكانى الثانى يعد أول مجمع هجومى فى تاريخ الكنيسة، إذ أنه قرر علنا تنصير العالم بقرار لا رجعة فيه. ومن بين الخمسة عشر وثيقة التى أصدرها المجمع بين 1964 و1965 ، فإن وثيقة "فى زماننا هذا" التى تعنينا هنا قد تم التوقيع عليها فى 28 /10/1965 . والنص النهائى للوثيقة وكل محاضر الجلسات والتعليق عليها موجودة فى الكتاب الصادر عن دار نشر دى سير، سنة 1966 ، تحت عنوان : مجمع الفاتيكان الثانى وعلاقات الكنيسة مع الديانات غير المسيحية ، وهو يمثل جزءا من المجموعة الكنسية برقم 61 . والكتاب يتكون من 335 صفحة ، ومقسّم إلى ثلاثة أجزاء بخلاف الملحقات. والجزء المتعلق بالإسلام يحتل الصفحات من 200 إلى 236 . وقد قام بصياغته القس روبير كاسبار، أستاذ "علم اللهوت الإسلامى" بالمعهد البابوى للدراسات العربية فى روما ، ومستشار السكتارية الخاصة بغير المسيحيين. وأثناء انعقاد المؤتمر كان عضوا فى اللجنة الفرعية الخاصى بالإسلام.

وعند قراءة الست وثلاثين صفحة المتعلقة بصياغة النص ، لا يمكن للقارىء الا يشعر بالإشمئزاز والقرف بالنسبة لذلك الموقف المتعنت وغير الأمين لهؤلاء الأباء الأجلاء ، الذين تفننوا فى استبعاد الإسلام كديانة توحيدية ، أتت لتصويب ما تم فى الرسالتين السابقتين من تحريف وإنحراف. و يبدأ الأب كاسبار بتوضيح الجو العام الذى دارت فيه هذه الجلسات ، قائلا: "لا بد لى من الإعتراف أولا بأن الديانات غير المسيحية تحتل مكانة ضئيلة فى اهتمامات هؤلاء الأساقفة والمؤسسات المعنية (...) ، وأساقفة البلدان التى بها الإرساليات يتحدثون كثيرا عن المشكلات التى تصادفهم فى التبشير ، وقليلا ما يذكرون الديانات غير المسيحية كديانات ، ولا شىء تقريبا يقال عن الإسلام . والمرء يدهش من ملاحظة الصمت المطبق للكنائس الشرقية حول هذا الموضوع الذى يواجهونه يوميا " ( صفحات 201 و 202 ). ومن المؤسف رؤية أن التعنت الوحيد لهؤلاء الأباء الأجلاء هو الإهتمام بتدارس كيفية تنصير العالم ، رغم تلك اللافتة المعلنة عاليا والمنادية بحرية العقيدة !

من ناحية أخرى ، لا نرى ضرورة لفتح هامش نوضح فيه الموقف المثير للإشمئزاز لهؤلاء الأباء الأجلاء ، وخاصة موقف الذين يمثلون الكنائس الشرقية ، أى الأقليات المسيحية التى تعيش بين المسلمين ، وعدم أمانتهم تجاه البلدان التى يعيشون فيها ، فالنص شديد الوضوح...

ويبدأ الأب كاسبار بتلخيص مختلف وجهات النظر التى لاحت منذ أولى الحوارات، والتى يلخصها فى نقطتين ، لا بد من أخذهما فى الإعتبار : " أن الإسلام عبارة عن شرّ مطلق لا بد من دحضه ، وخطر بالنسبة للكنيسة لا بد من محاربته. والثانية ، ترى فى الإسلام بصيص من النور لبعض الحقائق و التشابهات مع المسيحية والتى يجب تنميتها "( صفة 202 ) ، ( الخطوط من وضعنا فى النص كله). وأن البطريارك مكسيموس هو الذى أسدى ملاحظة "أنه لا يمكن التحدث عن اليهود دون التحدث عن الديانات الأخرى و خاصة الإسلام" (صفحة 203 ). وهنا تجدر الإشارة إلى أن واحدا من أهم السباب التى دعت إلى إجتماع هذا المجمع هو التنازلات غير المسبوقة التى تمت لليهود أو التى فرضونها على الكنيسة ، رغم مخالفتها الشديدة للنصوص ، وتدارس كيفية جعل الأتباع يبتلعونها ! وإختصارا ، فإن المحاولات الأولى المتعلقة بالإسلام تم اتخاذها فى دورة 1964 ، لإدخال فقرة حول المسلمين فى نص البيان.

وكان النص المبدئى يتضمن العبارة التالية : " وليسوا غرباء أيضا عن التنزيل الذى تم على الأباء ، أبناء إسماعيل ، الذين يعترفون بإبراهيم كأب لهم ، ويؤمنون بإله إبراهيم". وكانت هناك ملحوظة توضح أن " أبناء إسماعيل " هم المسلمون... إلا أن التصويت على النص الذى كان يتضمن عبارة " أبناء إسماعيل" قد قوبل باعتراض شديد. ويوضح الأب كاسبار ذلك قائلا : " ما الذى حدث ؟ من بحث تعليقات التصويت تبيّن أن النص المقترح ، رغم إعتداله ( ليسوا غرباء عن التنزيل الذى تم على الأباء" يمكنه أن يستبق الحكم فى حل مسائل صعبة ومصار جدل شديد، من قبيل الإنتساب التاريخى للعرب لإسماعيل ، وخاصة ربط الإسلام بالتنزيل الإنجيلى " (صفحة 205). وهو ما يؤكد عدم الأمانة المتعمّد.

وبعد مداولات ممتدة ، وإقتراعات وإستبعادات ، يوضح الأب كاسبار أن النص الأصلى المكوّن من بضعة أسطر، والخاص بالمسلمين ، قد تمت زيادته بشكل ملحوظ : " فهو يستخلص الخطوط الرئيسية لعبادة المسلمين ويدعو إلى نسيان خلافات الماضى ، وإلى الحوار والتعاون بين المسيحيين و المسلمين لصالح الإنسانية العام" (صفحة 206). وقد تم التصويت عليه بعدد 1910 موافقون و 189 معترضون.

وفى الجزء الثانى من نصه التفسيرى ، يتحدث الأب كاسبار عن المكانة التى يحتلها الإسلام فى تاريخ الخلاص ، موضحا كيف يقوم البيان بوضع الإسلام بين الديانات الكبرى الأسيوية التى تولدت بعيدا عن المسيحية (...). والبيان لا يقول شيئا حول الوضع الدينى للإسلام بالنسبة للتنزيل اليهودى-المسيحى (...) وقد أوضحنا أن المجمع كان قد استبعد الصياغة الأولى للبيان والتى كانت تشير بشكل طفيف إلى صلة بين "التنزيل الذى تم على الأباء " و الإسلام (صفحة 213 ). وبتفاديه إتخاذ إى موقف حول هذه المسألة ، فإن النص يضع الإسلام فى الصف الأول للديانات التوحيدية غير اليهودية-المسيحية. ويواصل الأب الكريم مضيفا : " من المهم أن نرى جيدا ما الذى يود المجمع أن يقوله ، وما الذى لا يريد قوله و الأسباب التى دعته إلى ذلك ! (نفس الصفحة السابقة).

وفى الجزء الثانى من النص الذى كتبه الأب كاسبار ، يتحدث فيه عن التوحيد الإسلامى ويقوم بنوع من شرح النص الرسمى ، وكيفية إختيار الكلمات للنص النهائى للوثيقة. ومن المحبط و المثيرللإستفزاز أن نرى كيف تم اختيار كل كلمة بريبة و بحرص شديدين ، وكيف تم اختيار أسماء الله – فى تلك الوثيقة ، بلؤم ومكر، إذ يقول الأب كاسبار : " وهكذا قام المجمع بوصف إله الإسلام باختيار الملامح الأساسية للإيمان الإسلامى والشبيهة لما هو وارد فى المسيحية. فأسماء أخرى كان يمكن أن تؤكد الخلافات بدلا من التشابهات" (صفحة 219).

وفى مواصلة شرحه هذا ، يلفت الأب كاسبار النظر إلى أن الوثيقة : " تضع إلراهيم لا كجد فى سلسلة نسب العرب المسلمين ، وإنما تضعه كنموذج للإيمان الإسلامى لخضوعه لإرادة الله " (صفحة 221).

وإذا ما قام القارىء باسترجاع نص تلك الوثيقة فيما يتعلق بالمسلمين ، ويمكنه الرجوع إلى الصفحة الأولى من هذا المقال ، سيلحظ النقاط التالية :

· أن كلمة " إسلام " غير واردة بهذا النص.

· أن الكنيسة تنظر أيضا بعين الإعتبار إلى المسلمين ، فلا تشير إليهم على أنهم أتباع

الرسالة التوحيدية الثالثة ، وإنما تنظر إليهم فحسب بعين الإعتبار !

· أن الإله الذى يعبده المسلمون " قد تحدث إلى البشر" ، أى أنه لم يتحدث تحديدا إلى

سيدنا محمد !

· الإصرار المتعمّد لاستبعاد النسب التاريخى للعرب المسلمين إلى سيدنا إسماعيل . وهنا

لا يمكننا إلا أن نتساءل : هل إختفى نص العهد القديم من الوجود ، لذلك لم يتمكن هؤلاء

الأباء المساكين المجتمعين لصياغة ذلك البيان ، ولا يعرفون تاريخ المسيحية بالنسبة

لقرابتها وعلاقتها فى سلسلة النسب مع الإسلام والمسلمين ؟! ومع ذلك فالتاريخ المعاش ،

ثابت بكل وضوح فى الوثائق والنصوص !

· أن الإيمان الإسلامى يتخذ سيدنا إبراهيم كنموذج ، يتخذه مثلا طواعية ولا ينتسب إليه!

ومن العار أن نرى مواصلة ذلك التعنت بلا خجل !

· السعى الحثيث لإستبعاد الإسلام من النص الإنجيلى رغم كل الإشارات التى لا تزال

فى الكتاب المقدس بعهديه ، حتى بعد كل ما أصابه من تعديلات وتغييرات متعددة ، لكى

لا نقول تحريفات ، وهو ما أثبته بجدارة رجل القانون الأمريكى جوزيف هويلس ، فى

كتابه المعنون : التحريف فى المسيحية .

· عملية التزوير فى التاريخ و وضع الإسلام بين الديانات الكبرى الأسيوية التى تولدت

بعيدا عن المسيحية ! إن المغالطة من الوضوح بحيث ان أى شخص ملم بجزء ولو

ضئيل من المعلومات التاريخية سيدرك التحريف... وإذا كان هؤلاء الأباء البؤساء لا

يعرفون الفرق جغرافيا بين آسيا وبلاد العرب و فلسطين ، فما الذى يمكننا أن نتوقعه

من أمثالهم ؟ !

من الجارح والمخيّب للآمال أن نرى كل ذلك التصلّب لهؤلاء الآباء الأجلاء ، وإصرارهم على التزوير و تغيير الحقائق التاريخية ، وخاصة الإعتماد على هذا التزوير لإصدار أحكام ، ووضع توجهات للتصرف أو فرض قرارات بعينها ! و من المفزع أن نراهم يجمعون على قول " إن المسلمين يقدرون الحياة الأخلاقية " ! ولو كان هؤلاء الأجلاء قد سألوا عن المضمون الحقيقى للقرآن فيما يتعلق بالأخلاق ، لأتاهم كرد مفعم رسالة الدكتوراه المكوّن’ من 770 صفحة والتى تمت مناقشتها فى السوربون سنة 1952، والتى تقدم بها الدكتور محمد عبدالله دراز، تحت عنوان " الأخلاق فى القرآن ". وذلك ليروا إلى أى مدى الأخلاق لا تمثل فحسب جزءا لا يتجزأ من القرآن ، وانما هىواحدة من أهم دعائمه التى تنظم حياة المسلم فى كافة المجالات ، حتى فى المجال الحربى : حيث لا يحق للمسلم أن يبدأ بالإعتداء ولكن بالرد فقط وبيقدر الإعتداء نفسه . والنصوص موجودة لكل من يود معرفة الحقائق بلا إلتواءات. فمن السخرية أن نطالع "أن المسلمين يقدرون الأخلاق" !

أما فيما يتعلق "بالخلافات و العداوات " التى اندلعت بين المسيحيين والمسلمين ، فمن الثابت فى وثائق ونصوص المؤرخين المسيحيين أن الإسلام قد تمت محاربته منذ بداية إنتشاره على أنه "هرطقة" من الهرطقات التى كانت ترفض تأليه يسوع. ومنذ أولى الأيام قام الكتّاب المسيحيون بوصف الإسلام بأقذع وأحط الأوصاف. ففى النصف الأول من القرن الثامن قام يوحنا الدمشقى بتشبيه الإسلام بحركة هرطقية شديدة القرب من الأريوسية – والأسقف أريوس كان مت الذين يرفضون تأليه يسوع وشلحته الكنيسة. وفى منتصف القرن التالى نطالع فى حوليات تيوفان قوله : "أنه فى عام 622 توفى نبى مزيف من سلالة إسماعيل" (وارد فى كتاب فيليب سيناك : صورة الآخر صفحة 30 ). ونطالع فى صفحة 97 من نفس الكتاب : " ومنذ ذلك الوقت لن يذكر اسم نبى الإسلام إلا مقرونا بالمسيح الدجال. وفى منتصف القرن الثانى عشر ، قال القديس برنار الذى كان يحث على الحرب الصليبية الثانية أن نهاية المسيح الدجال قد إقتربت وان المسلمين الذين يتهددون القدس ليسوا سوى أولياء الظلمات وقد اجتمعوا من أجل نهايتهم المحتومة" . ومن المحزن ، للأسف ، أن نرى القديسين يسقطون فى هاوية التزوير والتحريف للتاريخ . وعلى أى حال فهذا القديس لم يكن وحده هو الذى انجرف إلى هاوية النحريف والتزوير التى تتواصل حتى يومنا هذا بهوسٍِِ أكثر تسلطا !

وهل لنا أن نضيف ما قاله الأب كاسبار فى صفحة 209 ، بعد أن استعرض العداوات والخلافات التبريرية المسيحية ، من " أنه طوال القرنين الماضيين (والنص مكتوب فى سنة 1965 ) قام الغرب المسيحي بالهجوم والإعتداء على البلدان الإسلامية باستعمارها أو بوضعها تحت الحماية (...) والمسيحيون الذين يعيشون وسط المسلمين ، ولو فى تداخل جزئى ، تبيّن أنهم غير قادرين على ادراك ما يكوّن جوهر وعظمة الإسلام ، وهى : التصعيد المطلق لله الواحد. وكان الوضع فى الغرب المسيحى أسوأ . فلمدة قرون طويلة سيكتفى الغرب بنشر أسوأ وأحط الأحكام على الإسلام ونبيه ، دون حتى أن يكلفوا أنفسهم بتبين حقائق ذلك المذهب". ولا جدوى من إضافة هنا أن حتى البابا بنديكت السادس عشر لم يتمكن من إدراك عظمة التصعيد المطلق لله الواحد الحد فى الإسلام ، وتراى له أنه أمر لا يتفق مع العقل والمنطق !!!

وهنا لا يسعنا إلا أن نتساءل لماذا إيقاد كل ذلك الحقد والكراهية ضد الإسلام والمسلمين والإصرار على المحافظة عليه ؟! لماذا ذلك الوجه المزدوج أو التعامل بوجهين ، خاصة حينما نقارنها مع التنازلات التى قدمها الفاتيكان لليهود ؟! بل وما الذى يمكن قوله عن ذلك الإصرار على اقتلاع الإسلام كديانة توحيدية وبكل تلك الضراوة ؟ و مع ذلك فالتاريخ شديد البساطة والوضوح رغم كل عمليات التحريف تلك.

فإذا ما استبعدنا كافة التفاصيل لنتخطى الزمن لتناول تاريخ رسالة التوحيد فى بضعة كلمات سنجد : أن رسالت التوحيد نزلت على موسى النبى عليه الصلاة والسلام ، ثم عاد اليهود إلى العجل وقتل الأنبياء. فأُنزلت رسالة التوحيد على عيسى النبى عليه الصلاة والسلام موضحا أنه لم يرسل إلا من إجل خراف بيت إسرائيل الضالة (متى 15 : 24). وفى مطلع القرن الرابع ، فى سنة 325 ، قام المتحكمون فى الكنيسة الكاتوليكية بتأليه يسوع ، ثو بعمل عقيدة الثالوث وفرضوها غير عابئين بالنصوص والحقائق التاريخية ، واقعين بذلك فى هاوية الشرك بالله. لذلك تم تبليغ الرسالة لثالث مرة على النبى محمد عليه الصلاة والسلام . وكانت رسالته لا من أجل إرجاع الخراف الضالة فى الرسالتين السابقتين إلى التوحيد فحسب وإنما للعالمين ، ليسيروا على السراط المستقيم الحق وعبادة الله الواحد الأحد. وهو ما نطالعه بوضوح فى نص شهادة الإسلام: " لا إله إلا الله " ، لا أشخاص مؤلهة ولا ثالوث يشرك بالله. وهذا هو ما يؤكد بوضوح التصعيد المطلق لله الواحد الأحد ، الله الذى ليس كمثله شىء.

وعلى عكس ما تقولة وثيقة الفاتيكان الشهيرة حول أحكام اللله المخفية فى الإسلام ، فإن وضوح الأحكام الإلهية الإسلامية ، التى تم الحفاظ عليها سالمة بدقة وحرص شديدين ، ترجع إلى أنه لا توجد معميات مفروضة بظلمات أيا كانت ، لا يوجد ايمان بألوهية المسيح ، لا يوجد تاريخ تم " توضيبه " وفقا للأهواء بعد تغييره وتحريفه، لا يتوجد مسيحا ولا وساطة منسوجة بين الله والبشر ، لا يوجد خلاص على يد أحد وكلها بدع مختلقة ! لا يوجد فى الإسلام أى شىء من هذه الأحاييل الكنسية. لايوجد سوى إختيار واضح بين الخير و الشر ، بين الحلاح والحرام ، بين السراط المستقيم وسراط معوجّ ملتوى. أنه اختيار متواصل على كل إنسان أن يقوم به وهو ما يضعه وحده أمام الله، ولا شىء معه سوى أعماله التى قام بها فى الدنيا والتى اختارها طواعية ليجزيه الله فى يوم الحساب. ذلك هو الإسلام.

إن هذا الوضوح البسيط للأحكام الإلهية فى الإسلام ، وهذه النزعة الإنسانية العميقة والعادلة ، هى التى جعلت أنه خلى إثنى عشرة سنة انتشر الإسلام فيما بين النهرين وفلسطين وسوريا ومصر ، مخلّصا شعوبها من الإضطهاد المتعصب ، بفضل الإسلام والمسلمين, وهو ما يؤكد و يضفى مصداقية واضحة على ظاهرة إنتشار الإسلام، وهو من الظواهرالأكثر وضوحا والكثر تأثيرا على العالم ، منذ مطلع القرن السابع وحتى يومنا هذا.

وإذا انتقلنا بإيجاز شديد إلى تاريخ النصوص ، ما الذى سنراه وفقا للأبحاث الحديثة خاصة ؟ أن النصوص العبرية قد احترقت مع المعبد قبل الميلاد بخمسة قرون ، ثم قام عزرا بكتابتها من الذاكرة بعد ذلك بقرنين أو ثلاثة ، ولم تنته صياغتها إلا فى القرن العاشر الميلادى ! ونصوص العهد الجديد قد تمت صياغتها فى اواخر القرن الميلادى الثانى ، بأقلام كتبة مجهولون وليست الأسماء التى هى معروفة بها . ثم قام القديس جيروم بصياغتها من بين أكثر من خمسين إنجيلا . والخطاب/المقدمة الذى يوجهه للبابا داماز ، الذى طلب منه القيام بذلك العمل ، لأكبر دليل على التحريف والتلاعب الذى تم فى نصوص العهد الجديد (راجع طبعة البنديكتين سنة 1693 ) ! وعلى أى حال فلم يكن بلا سبب أن تقوم الموسوعة البريطانية بقول أن هناط 150000 خطأ ترجمة وتناقض وعدم توافق فى الأحداث. وقد قام العلماء حديثا برفع هذا الرقم إلى الضعف بفضل البحاث التى اجروها. وفى واقع الأمر ، لا توجد أى وثيقة واحدة أصلية لا بلغة عيسى عليه السلام ولا من عهده : كل هذه النصوص عبارة عن نصوص منقولة عن نصوص منقولة ومعاد نقلها . وهو ما يجب أن نضيف غليه إعادة تغيير هذه النصوص والعقائد عبر المجامع ومن طبعة اإلى أخرى على مر العصور. وعلى العكس من ذلك ، فمن الثابت والمعروف لدى الجميع ان النص القرآنى هو النص المنزّل الوحيد الذى تم الحفاظ عليه بلا تحريف أو تغيير ولو حرف واحد من حروف ، منذ انزله الله حتى يومنا هذا وسيظل محفوظا إلى يوم الدين ...

وقبل عصر التنوير بكثير ، وفى زمن لم يكن أحد بعد يعرف بما يدور فى كواليس المؤسسة الكنسية ، قام القرآن الكريم بإنكار صلب يسوع ، وبإنكار تأليه يسوع، وبدحض الثالوث، كما قام بكشف مختلف أنواع التلاعب الذى تم فى النصوص الإنجيلية. وهو ما تم إثباته قطعا طوال القرن العشرين خاصة ، بل ومن قبله ... بحيث ان هذه المعلومات فى الغرب باتت من المعلومات الدارجة التى نطالعها فى الموسوعات والقواميس ، حتى المدرسية منها من أمثال قاموس لاروس الصغير. وهذه الحقائق هى فى الواقع التى تثير أحقاد المتحكمين فى المؤسسة الكنسية. ونذكر مما أورده القرآن الكريم على سبيل المثال :

· وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفى شكٍ منه ما لهم به من علم إلااتباع الظّن وما قتلوه يقينا ( النساء / 157)

· يأهل الكتاي لا تغلوا فى دينكم ولا تقولوا على الله ألا الحق إنما عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فأمنوا بالله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد ... (النساء/171)

· ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون (البقرة 42)

· فبدّل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون (البقرة / 59 )

· أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون (البقرة / 75 )

ومن الملاحظ طوال النص القرآنى ان عيسى عليه السلام يطلق عليه : "عيسى بن مريم " لستبعاد تلك الهرطقة التى تقول أنه "إبن الله" أو "ألله نفسه" !

وهنا لا يمكننا إلا أن نتساءل بكل مرارة : ألم تكف الفا عام من التاريخ المدرج بالدماء والحروب الضارية التى قادتها هذه المؤسسة الفاتيكانية لتفرض نفسها بكل ذلك الطغيان ، لكى تفهم أنها ليست على الطريق المستقيم ؟! وبدلا من مواصلة قلفطة التحريف والتزوير والغش لتبشير الشعوب ، و لتنصير الشعوب ، خاصة بعد كل تلك الأبحاث الجديدة الجادة والتى عرضنا منها تلك الشذرات الواردة بهذا المقال ، أليس أكثر إنسانية وأكثر منطقية أن تترك الناس فى حالها وأن تكرس جهودها لاستبعاد كل تلك الآلام التى تغص بها الأرض ، وكل هذه الأوبئة ، والمجاعات ، والأنقاض ،وكل هذه الكوارث الطبيعية أو المفتعلة ، التى تتهدد الحياة على الكرة الأرضية بكلها ، دون الإصرار الأعمى على تنصير الشعوب ؟! إن مليارات الدولارات التى تنفق هباء وبعته لتنصير العالم سوف تعاون بلا شك على النخفيف أو تحسين ذلك المصير المأساوى الذى ينتظرنا جميعا...

وفى النهاية ، لا يسعنا إلا العودة إلى تلك الجملة البذيئة والظالمة ، لكنها جدّ كاشفة ، والتى تصف الإسلام " بأنه عبارة عن خطأ مطلق لا بد من دحضه ، وخطر بالنسبة للكنيسة لا بد من محاربته " ، لنسأل تلك المؤسسة الفاتيكانية ، بكل صدق وموضوعية ، أى الديانتين يعد خطأ مطلق بالنسبة للدنيا : تلك المسيحية الفاتيكانية المتعنتة ، المتصلبة الرأى ، والتى تم اختلاقها تلفيقا عبر المجامع على مر العصور ، أم الإسلام ، الذى لم يهن عليكم حتى ذكر أو كتابة اسمه فى تلك الوثيقة ، والذى لم تكفّوا عن محاربته بضراوة وعدم أمانة لا مثيل لهما ؟!

No comments: