May 3, 2007

Hajj and Human Rights

الشيخ محمد الخطيب يكتب: فوق جبل عرفات.. تقررت حقوق الإنسان


24/12/2006




الحج هو المؤتمر العالمي الجامع للمسلمين قاطبة، مؤتمر يجدون فيه أصلهم العريق، الموصول بأبي الأنبياء خليل الله- عليه السلام-، يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾ (سورة الحج من الآية 78).



والحج من الشرائع القديمة قدم الإنسان، فقد ثبت أنَّ الأنبياء ومن اتبعوهم كانوا يحجون البيت الحرام فقد روى الإمام أحمد والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- لما مرَّ رسول الله‏- ‏صلى الله عليه وسلم- ‏بوادي عسفان ‏حين حج قال: "يا ‏أبا بكر أي واد هذا؟ قال: ‏وادي عسفان، ‏قال: لقد مرَّ به ‏هود ‏وصالح ‏على ‏بكرات ‏حمر ‏خطمها الليف ‏أزرهم ‏العباء وأرديتهم ‏النمار ‏يلبون يحجون ‏البيت العتيق".



وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: وقف النبي- صلى الله عليه وسلم- بعرفات، وقد كادت الشمس أن تئوب، فقال: "يا بلال أنصت لي الناس"، فقام بلال فقال: انصتوا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأنصت الناس، فقال: "معشر المسلمين أتاني جبريل آنفًا، فاقرأني من ربي السلام، وقال: إنَّ الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر الحرام وضمن عنهم التبعات"، فقام عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فقال: "يا رسول الله، هذا لنا خاصة؟ قال: "هذا لكم ولمَن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة"، فقال عمر: "كثر خير الله وطاب".



وفي هذه الأيام نعيش أيام العشر المباركة السعيدة من ذي الحجة، وحجاج بيت الله من أطراف الأرض يقصدون البقعة المقدسة، يبذلون الرخيص والنفيس، وكل حاج يحدث نفسه، ويمني عينيه أن تكتحل فتفوز بالنظر إلى البيت العتيق الكعبة المعظمة، أول بيتٍ وُضع للناس، بمكةَ مباركًا وهدى للعالمين، إنَّ كل حاج يبكي ذنوبه، ويُبدي أسفه وندمه على تفريطه في جنب الله، ويسأل مولاه الرءوف الرحيم رب البيت العظيم من فضله، عساه أن يخرج من ذنبه، وأدران الدنيا متطهرًا فيعود كيوم ولدته أمه.



والواجب على جميع المسلمين الحرص على طاعةِ الله في هذه الأيام المباركة، فقد ورد في الحديث عن النبي- ‏صلى الله عليه وسلم- ‏قال: "‏ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من ‏هذه الأيام العشر فأكثروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد" (رواه أحمد عن بن عمر)، كما ورد- أيضًا- في الأثر عن النبي‏- ‏صلى الله عليه وسلم- ‏قال: "‏ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر" (رواه الترمذي) وقال: ‏هذا ‏حديث غريب ‏لا نعرفه إلا من هذا الوجه.



1- السبق في تقرير الحقوق:

ما أكثر المؤتمرات التي تعقد في هذا الأيام، ثم تنفض ولا جديد، لكن مؤتمر الحج العالمي، مؤتمر فريد، ولقاء عجيب في عالم البشرية، مؤتمر يعقد تحت لواء الحق، وينبثق من ضمير الأمة، ولو فهم المسلمون أهداف الحج على وجهها الصحيح، وعاشوا كما أراد الله، من تزود بالتقوى، وعمل على وحدةِ المسلمين، وتقوية الروابط بينهم، لو فهم المسلمون هذا لانكشفت بوضوح مؤتمرات محترفي السياسية، وما وراءها من مصالح وأهداف لا يقرها الإسلام، ولا الأخلاق، ومن هنا يصبح مؤتمر الحج بحق مركز الثقل في كيان وحياة أمة الإسلام، بل لأصبح بداية التحول الحقيقي في تاريخ العالم كله.



لقد وقف الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- على عرفات في حجة الوداع يعلن حقوق الإنسان, ويقرر مبادئ السلام الحقيقي، ويوضح معالم العدالة والمساواة بين الناس، قبل أن يعرفها العالم كله بألف عام، ووضع الحدود الدقيقة لحرمة الدماء والأموال والأعراض.. فقال: "إنَّ دماءَكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمةِ يومكم هذا.. في شهركم، في بلدكم هذا" وفي الحديث الصحيح "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".. (رواه ابن ماجة عن أبي هريرة).



وتحدث صلى الله عليه وسلم عن المساواة بين الناس، وهي حقيقة يتربى عليها المسلم عمليًّا في الحج فقال: "إنَّ ربكم واحد، وأنَّ أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى" كما تحدث- صلى الله عليه وسلم- عن يأس الشيطان وهزيمته ومحاولاته في الإيقاع بالإنسان والواجب على المسلم كل الحذر منه، وتحدث عن المرأة وما لها من حقوق، وما عليها من واجبات، ثم ختم حديثه صلى الله عليه وسلم بقوله "وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا، أمرًا بيِّنًا، كتاب الله وسنة رسوله.. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد".



2- مؤتمر السلام:

لقد ارتبطت مناسك الحج بفكرة السلام والأمان، فليس للمسلم في فترة إحرامه أن يقطع شجرًا، أو يقلم ظفرًا، أو يقص شعرًا، وليس له أن يتدنى فيرفث أو يفسق أو يجادل، قال تعالى ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ (البقرة: من الآية 198).
إنَّ معركةَ السلام في الإسلام ليست كلامًا يُقال، أو خطبة تلقى، بل هي حقيقة تبدأ من داخل القلب والضمير، والسلام الذي ربي عليه الإسلام أمته، هو الذي تنسجم عليه حياة المسلم، مع هواتف الخير في نفسه، فالذين يحققون معنى السلام في أنفسهم، بتحريرها من كل سلطانٍ غير سلطان الحق، هم وحدهم الأمناء على مستقبل الشعوب، وهم الذين يستطيعون أن يقودوا البشرية في طريق السلام الحقيقي، ولقد علمنا الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن نقول حين يقع بصرنا على الكعبة المشرفة "اللهم أنت السلام ومنك السلام، فأحينا ربنا بالسلام".

ما يجب أن نتعلمه من الحج

يتعلم المسلمون من هذه الفريضة حقائق هامة وأساسية وعلى سبيل المثال:-

1- حقيقة التجرد النفسي الذي تتحرر بها نفس المسلم وتخلص لله.

2- وحقيقة السعي والحركة والتحمل الذي تسلم به حياته من الاستسلام والعجز والكسل والدعة والخمول.

3- وحقيقة الصمود والكفاح والجهاد والمجاهدة التي تحفظ له كيانه من المهانة والذلة.

4- وحقيقة التضحية والفداء والاستجابة لأمر الله التي يمتحن بها الله إيمانه ويقينه.



وما أحوج هذه الأمة الضائعة بين أمم الأرض والمغلوبة على أمرها والمسلوبة لكل حقوقها، وإلى الذين يعملون دائمًا بأرواحهم لا بأشباحهم، وبضمائرهم وقربهم من معية ربهم، لا برقابة غيرهم عليهم.



إنَّ الذي يحزن اليوم ويؤلم أشد الألم هو القعود العجيب وانصراف المسلمين وغفلتهم عن قضايا الأمة المصيرية، والبعد عن منهج الله وهدي الإسلام، بينما أعداء المسلمين يملأون الدنيا ضجيجًا وفتنةً للمسلمين، وتدميرًا لعقول الشباب وقلوبهم وصرفهم عن طريق الهداية والاستقامة، أفلا يجب على المسلمين أن يجعلوا من موسم الحج مناسبةً فاصلةً بين عهدين في حياتهم، عهد التفريط والقعود، وعهد اليقظة والصدق مع الله، والعمل لدينه والاهتمام بأمور المسلمين، والعزم على نصرةِ الإسلام، والمشاركة في دفع الأذى عن أمةِ الإسلام.



إن الحق يجب أن يُقال وأن يُسمع: فأحوالنا نحن- المسلمين- أصبحت لا تخفى على أحد، وتوشك معها القلوب أن تذوب، فهل يجوز أن يبدأ موسم الحج وينتهي، ولا يذكر المسلمون قضايا الإسلام الكبرى قضية فلسطين، وأهل فلسطين، وأهل البوسنة والهرسك وكوسوفا.
والجميع يستذلون ويُبادون ويُقتلون ويموتون جوعًا، أمام سمع الدنيا وبصرها.



أخي المسلم بعد هذه الرحلة المباركة ما موقفك من قضايا أمتك؟ كن على عهدك مع الله، وقف مع العاملين لدينه، وهم قلوا أو كثروا نبتة كريمة، وعزيمة مباركة، سوف تأتي أكلها ولو بعد حين، ذلك وعد الله والله لا يخلف وعده، وإياك ووسوسة الغافلين القاعدين، فعهدنا مع الله أن نصبر على طول الطريق وبعد الشقة، وقلة الزاد والراحلة، فاصبر صبر الرجال الأوفياء.. ففى آخر هذا الطريق روحٌ وريحان، وأمن وأمان.. في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. وفقنا الله جميعًا لما يحب ويرضى، والحمد لله رب العالمين.



إخوان اون لاين
www.ikhwanonline.com

No comments: