Apr 14, 2007

Thre Mosques (Universities) In Islamic History And Present

مساجد الإسلام.. جامعات للعلوم والمعارف إخوان أون لاين - 12/04/2007
الجامع الأزهر


بقلم: عماد عجوة*


إنَّ مَن يتأمل تاريخ المسلمين يلاحظ أنهم لم يتحجروا كغيرهم في نظرتهم القدسية إلى الأماكن التي شادوها لممارسة عبادتهم؛ بل إنَّ اتباعَ النبي محمد- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- كانوا أكثر مرونةً وتحررًا وواقعية؛ ذلك أنهم جعلوا من مساجدهم مؤسساتٍ عامة يزاولون داخل جدرانها شئون حياتهم ويخططون تحت أروقتها، وإلى جانب سواريها تنظيم مجتمعهم للنهوض بمستوى شعوبهم والحفاظ على كيانهم.

فالمسجد عند المسلمين لا سيما في إبَّان العهود الغابرة يوم كان الدين الإسلامي دستورًا عمليًّا للحاكمين والمحكومين على حدٍّ سواء قبل أن يتحوَّل إلى ما هو عليه اليوم، إذ أصبح مجرد مكان لأداء الصلاة فقط، مع أن هذا المسجد كان في الماضي إلى جانب وظيفته كمكانٍ للتعبد والصلاة يؤدي في نفس الوقت رسالته الحضارية في مختلف وجوه النشاطات الإنسانية التي يعيشها البشر ويحتاجون إليها لما يعينهم في حياتهم منفردين ومجتمعين في آنٍ واحد، خاصةً النشاط العلمي الذي كان من الطبيعي أن يتخذ من المساجد مقرًّا منذ العصر النبوي، فكان النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- يجلس في مسجده بالمدينة يُبصر الناس بشئون دينهم ودنياهم ويُفسر لهم القرآن الكريم ويجيب عن أسئلتهم وينظم لهم شئون حياتهم ويعقد ألويتهم الحربية بالمسجد.

ومع اتساع دائرة الحضارة الإسلامية وتطورها تجاوزت الرغبة في طلب العلم نطاق العلوم الدينية إلى غيرها من العلوم النقلية والعقلية، وأُضيفت ألوان جديدة من ضروب المعرفة، ولم يقتصر دور المسجد على ما قدَّم من نشاطاتٍ علمية واجتماعية وإنسانية، وإنما تجاوز كل ذلك، وأضاف إليه دورًا رئيسيًّا هو حفظ الكيان الإسلامي والبلاد الإسلامية من أن تجرفها التيارات المنحرفة أو تطغى عليها، وفي مجال الدفاع عن الأوطان فكان للمساجد وما يزال السهم الأوفر والقسط الأكبر في إماطة كابوس الاحتلالات الأجنبية عن كواهل المسلمين وبلادهم، هذا الدور الذي عبَّر عنه الكاتب الفرنسي جوستاف لابون في كتابه القيم "حضارة العرب" حيث يقول: إن المسجد مركز الحياة الحقيقي عند العرب، وهكذا ولدت بين جنبات المساجد الجامعات العلمية ومن أهم هذه المساجد:

الجامع الأزهر

هو أول جامع أُنشئ بمدينة القاهرة، وهو رابع جامع أنشئ للجمعة والجماعة بمصر، وقد شرع في بنائه القائد جوهر الصقلي عام 395هـ واستمرَّ بناؤه إلى عام 361هـ/972م ليكون المسجد الرسمي للدولة الفاطمية؛ وليكون معهدًا لفئةٍ معينةٍ من الطلاب لتعلم ونشر المذهب الشيعي، وعرف في البداية بجامعة القاهرة وبالجامع الأزهر المشتق من الزهراء، وهو لقب السيدة فاطمة ابنة النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، وهي التي انتسب الخلفاء الفاطميون إليها، وهناك من علل التسمية إلى إنشاء القصور الزاهرة الفاطمية، وكانت مساحته عند إنشائه نصف مساحته الحالية ويتكون الجامع من أربعة أروقة يتوسطها صحن مكشوف.

ولبث الجامع الأزهر زُهاء قرنين من الزمان في عصر الفاطميين يتمتع بالرعاية الرسمية بوصفه مسجد الفاطميين وبصفته العلمية كمعهدٍ للقراءة والدرس، ولما قامت الدولة الأيوبية بعهد صلاح الدين الأيوبي عمدت إلى إبطال الدولة الفاطمية وإزالة كل آثارها المذهبية، وأبطل صلاة الجمعة في الجامع الأزهر بناءً على فتوى قاضي القضاة صدر الدين عبد الملك بن درباس بأنه لا يجوز إقامة خطبته للجمعة في بلدٍ واحد، فأبطل إقامة الجمعة بالجامع الأزهر وأقرها بجامع الحاكم بأمر الله بحجة أنه أوسع رحابًا، ورغم ذلك ظل الأزهر محتفظًا بكثير من هيبته العلمية كمسجد للدرس والقراءة حيث كان يضم من الطلاب العدد الكثير؛ وذلك لاتساع مجال الدراسة فيه وتنوعها.

وتحوَّل الجامع إلى حصن منيع للدفاع عن الاسلام وأصبح أكبر جامعة في عصره.وفي العصر المملوكي وفي عهد السلطان بيبرس البندقداري اكتمل نشاط الجامع الأزهر بعودة صلاة الجمعة للمسجد سنة 567هـ/ 1171م وإحياء مآثره، والحق أن إعادة بيبرس صلاة الجمعة للجامع الأزهر وإعادته الأوقاف إليه كان رد اعتبار للأزهر واقترن بعلو مكانته العلمية أيضًا، وتمتع الأزهر برعاية السلاطين والأمراء، وغدا منذ أواخر القرن السابع الهجري كعبة الأساتذة والطلاب، وازدادت مكانته السياسية والتاريخية، وفي هذا دلالة على منزلة هذا الجامع الكبير وسمو مكانته في نفوس المسلمين حكامًا ومحكومين.

وفي العصر العثماني استطاع الأزهر أن يحتفظ بمكانته العلمية السامية وأن يقوم بأعظم دورٍ في نشر الثقافة العربية والإسلامية، وغدا أيام العثمانيين ملاذًا لعلوم الدين واللغة ومعقلاً حصينًا للغة العربية؛ ولذلك كان يتردد على الألسنة أن للمسلمين قبلتين قبلة دينية هي الكعبة في مكة وقبلة علمية هي الأزهر في القاهرة، وكان الأزهر عنصرًا من عناصر الحياة الفكرية، وكانت حلقات العلم التي تُعقد في الجامع الأزهر تتسم بكثيرٍ من سمات الحياة الجامعية من مناقشات وإجازات الدارسين ونظام المعيدين والأساتذة وغيرها من مظاهر الحياة الجامعية الحديثة والتي عرفها الأزهر منذ قرون، وكانت أساسًا للنظم والتقاليد العلمية الجامعية التي عُرفت بعد ذلك في الشرق والغرب، ومن ثم اعتُبر الأزهر أقدم جامعة دينية في العالم.

وما زال الأزهر يقوم برسالته العلمية إلى الآن كجامع وجامعة دون انقطاع يسدي للغة العربية والعلوم الإسلامية أجلَّ الخدمات، وما زال ملاذًا للمسلمين يهرعون إليه في الأزمات ملتمسين من علمائه الإرشاد والتوجيه للحفاظ على جوهر العقيدة الإسلامية ويضمن استقامتها في أصولها التشريعية على النهج الذي يصون وسطية الإسلام ومقاومة التيارات الإلحادية والانحرافات المذهبية والفرق الباطنية الهدَّامة.

وقد قام الأزهر بهذا الدور الجليل طوال العصور الوسطى، وفي العصر الحديث، وبوسع الأزهر أن يستمر في أداء مهمته الجليلة في عصرنا الحاضر وأن يظل مركزًا للعلوم الدينية وللثقافة العربية في العالم الإسلامي بأسره.

جامع الزيتونة

جامع الزيتونة
جامع الزيتونة هو أكبر مساجد مدينة تونس، وبدأ بناءه حسانُ بن النعمان سنة 79هـ، وجدده عبد الله بن الحبحاب سنة 114هـ، وأُعيد بناؤه عام 250 هـ، وأعيد بناؤه مرةً أخرى سنة 84هـ على يد محمد بن الأغلب، وبلغ جامع الزيتونة أوج مجده في أيام بن حفص في القرن 13م، ويشغل المسجد مساحةً مستطيلةً ويتكون من صحن أوسط مكشوف يحده من الجهة الجنوبية الشرقية رواق القبلة، بينما يشرف على الصحن من الجهات الثلاثة الأخرى سقيفة معقودة ومحمولة على أعمدة مكونة من بلاطة واحدة.

ويعتبر هذا الجامع أول جامعة في العالم الإسلامي سبقت الجامع الأزهر بالقاهرة في هذا الميدان، وكان لجامع الزيتونة موقعًا هامًّا من العلم والثقافة الإسلامية ونشرها في أفريقية وفي التأصيل لها والتأكيد على ملامح الهوية العربية الإسلامية في تونس، وكان الجامع هو حصن الإسلام وقلعة اللغة العربية الذي حمى التراث العربي في تونس وبلاد شمال أفريقية عبر مختلف الظروف السياسية والاضطرابات التي مرت بها هذه المنطقة، خاصةً خلال مراحل الغزو الاستعماري.

وقد لعب الجامع دورًا كبيرًا في نشر العلوم والثقافة منذ بنائه ولكنه في القرن 7هـ بدأ يأخذ بُعدًا أكثر اتساعًا، ويضطلع بدورٍ واضحٍ سواء في مناهج الثقافة أو في نشر العلم والثقافة الإسلامية وإحياء ما دُرس منها في كل بلاد المغرب، وهذا ما ذكره المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون الذي تخرَّج في جامعة الزيتونة.

ولقد سبق جامع الزيتونة كلاًّ من الجامع الأزهر في القاهرة وجامع القرويين في فاس في كونه أقدم جامعة إسلامية يعود إليها الفضل في أداء دورها كمساجد ومعاهد للتعليم ساهمت في بناء النسيج الثقافي لأجيال الأمة؛ حيث تخرَّج منها القادة والساسة والمفكرون والمجاهدون الذين كانوا وراء الحركات الوطنية والمقاومة المسلحة للمستعمر، ولم يقف تأثير هذا الجامع الجامعة على حدود تونس؛ حيث اكتسبت امتدادها ونفاذها من عالمية الإسلام، ولذلك تجاوزت تونس إلى البلاد الأفريقية بشكلٍ عام وبلاد المغرب بشكلٍ خاص؛ حيث نجح هذا الجامع الجامعة في تأصيل الهوية العربية الإسلامية في تونس والشمال الإفريقي بشكلٍ خاص وساهم بدورٍ كبيرٍ في الحياة العلمية والثقافية.

وإذا كانت القلاع والحصون العسكرية هي من الوسائل الدفاعية المهمة التي تحفظ للناس أمنهم وحياتهم وعقيدتهم، فإن هناك حصونًا أخرى أقوى منها وتقوم بدورها الذي يضمن أدوارًا عديدة وهي حصون حفظ العقيدة والثقافة والعلم، ويشكل جامع وجامعة الزيتونة في تونس أحد أهم هذه الحصون التي حمت وحفظت التراث العربي الإسلامي منذ حوالي أربعة عشر قرنًا من الزمان، وقد أدى دورًا هامًّا في محاربة الغزو الاستعماري وتعزيز الروح الوطنية والإسلامية، وكان سلاحه في ذلك هو الكلمة والفكر ومادته المعرفة.

وقد أخذ شكل الجامعة في عهد الحفصيين في القرن 13 م، ودُرست فيه مواد الأدب والتاريخ والفلسفة الدينية واللغوية، وفي عام 1933م صدر المرسوم الخاص بتحويل جامع الزيتونة إلى جامعة وأُلحق به مكتبة كبيرة كانت تحوي 40000 مخطوط وأُضيفت إليها مخطوطات نادرة ونفيسة، وحول محيط الزيتونة ما زالت إلى اليوم تنشر العديد من المكتبات التي تعج بالمراجع والمصادر ذات البعد الديني واللغوي.

وما زال جامع الزيتونة حتى اليوم وسيبقى صرحًا إسلاميًّا وعلميًّا يشع بنوره، خاصةً بعد عمليات التجديد والترميم والرعاية الفائقة له، باعتباره منارةً للعلم ورافدًا من روافد الهوية، حفظ الله جامع الزيتونة.. هذا الحصن الذي تحطَّمت على صخوره الصلدة محاولات الاستعمار الفرنسي في الفصل بين ماضي المجتمع العربي المغربي وحاضره، وفي حمل الأجيال الناشئة في ظله على نسيان مقومات مجتمعهم الأصيل العربي الإسلامي.

جامع القرويين

جامع القرويين
جامع القرويين هو أشهر مساجد مدينة فاس المغربية وأكبرها، ويُقال إنه أكبر مساجد شمال إفريقية، ويعد أكثر مساجد المغرب شهرةً باعتباره جامعةً إسلاميةً قديمةً يمكن مقارنتها بالجامع الأزهر في القاهرة.

ويرجع بناؤه إلى عهد أول دولة إسلامية تأسست بالمغرب، وهي دولة الأدارسة التي اتخذت من مدينة فاس عاصمة لها، وأسسس الجامع إدريس الثاني سنة 193هـ، إلا أنه كان في نشأته الأولى صغيرًا بسيطًا، وعُرف بجامع الشرفاء، ثم قيَّض الله للجامع امرأةً من نساء القيروانيين هي فاطمة بنت محمد الفهري سنة 245هـ/ 859م حيث وهبت كل ما ورثته من أموال في بناء المسجد، ونال بعد ذلك اهتمام أهل المدينة وحكامها، حيث قاموا بتوسعته وترميمه، والقيام بشئونه، خاصةً الزناتيين والمرابطين؛ حيث يعتقد أن جامع القرويين قد انتقل من مرحلة الجامع إلى مرحلة البداية الجامعية في العهد المرابطي.

وبفضل هذا الاهتمام البالغ الذي كان يحظى به الجامع وخاصة في العهد المريني؛ حيث دخل الجامع المرحلة الجامعية الحقيقية؛ حيث بُنيت العديد من المدارس حوله واستجمع عناصر النهضة ومقومات التطور، فتوفَّرت له خصائص ومميزات الجامعة وتحققت له شخصيتها العلمية والمعنوية؛ وذلك في إطار استقدام الأساتذة واستقبال الطلبة وتقرير المواد والعلوم المدروسة والإجازات وتوفير الكراسي العلمية المتخصصة وتكوين مكتبة علمية متنوعة التخصصات، كل ذلك أضفى على الجامع صفة الجامعة وأسبغ عليه طابع المؤسسة الجامعية.والجامع يعتبر من أقدم جامعات العالم، فقد استمر ما يزيد عن ألف عام مصدر اعتزاز وإباء للمغرب، يذكر ديلفان في كتابه فاس وجامعتها يقول: "مدينة فاس دار العلم بالمغرب التي لها جامعة القرويين تعد أول مدرسة في الدنيا"، ووصفها الكاتب الفرنسي باديابليبلش عام 1893م: فاس كانت في إفريقية في مكانتها الثقافية مثل أثينا في أوروبا.

وكتب المستشرق الروسي جوزيه كريستوفيتش عن جامعة القرويين فقال: "إن أقدم كلية في العالم ليست في أوروبا كما كان يظن بل في إفريقية في مدينة فاس، فقد تحقق بالشواهد التاريخية أن جامعة القرويين كان يتوارد إليها الطلبة من أنحاء أوروبا، فضلاً عن بلاد العرب الواسعة"، وذكر الكاتب البريطاني روم لاند "شيد في فاس في أيامها الأولى جامع القرويين الذي هو أهم جامعة وأقدمها، وهنا كان العلماء منذ ألف سنة يعكفون على المناظرات الفلسفية والأبحاث الدينية، وكان المثقفون يدرسون التاريخ والعلوم والطب والرياضيات".ويؤكد عددٌ من المستشرقين أن الدولة الإسلامية عرفت نظام الجامعات قبل الدول الغربية، وأن جامع القرويين وجامع الأزهر وجامع الزيتونة أسبق من جامعات السوربون وكمبردج وأوكسفورد، فمنذ اليوم الأول لقيامها أُريد لها أن تكون جوامع وجامعات تُقام بها الصلاة ويناقش في أروقتها العلم والسياسة فخرج منها العلماء، وشاركت هذه الجامعات في صنع الأحداث.

-----------
*ماجستير آثار إسلامية

نسخة سهلة للطباعة
أرسل تعليقًا
أرسل إلى صديق
موضوعات متعلقة
عمارة بيت الله الحرام عبر التاريخ
القلاع والحصون.. من فنون العمارة الإسلامية


-->
بحث تفصيليبحث عن الصور والصوتيات والمرئيات
جميع حقوق النشر محفوظة © 2002- 2007 م © www.ikhwanonline.com

No comments: